أخبار وتقاريرالعرض في الرئيسة
لماذا فشلت صواريخ “الباتريوت” في اعتراضِ صواريخ انصار الله؟ ومتى ستتفاوض السعودية مع عبد الملك الحوثي لتقليصِ الخسائر وإنهاء الحرب؟
يمنات
لم تَحتفلْ الأوساطُ السعوديّةُ بذِكرى مُرورِ ألفِ يومٍ على التدخّل العَسكريّ في اليمن، ولكن تيّار “أنصار الله” الحوثي لم يَدعْ هذهِ المُناسبة تَمُر دون الاحتفال بِها، على طريقته الخاصّة من خِلال إطلاقِ صاروخٍ باليستيٍّ “مُجنّح” لضَربِ “قصر اليمامة” في جنوب الرياض الذي يُدير مِنه العاهل السعوديّ الملك سلمان بن عبد العزيز شُؤون الحُكم، حسب ما جاءَ في بِيانه الرسميّ.
الحوثيون يقولون أنّه احتفالٌ بألفِ يَومٍ من الصّمود، وأن الصّاروخ استهدفَ القَصر أثناء تَرؤس العاهل السعوديّ اجتماعًا لمَجلس الوزراء لاعتماد الميزانيّة السنويّة وإعلانِها على المُواطنين، وقال السيد عبد الملك الحوثي، زعيم حركة “أنصار الله”: “أنّه بعد صُمودِ ألفِ يَومٍ باتت قُصور النّظام السعوديّ ومُنشآته النفطيّة والعَسكريّة في مَرمى صوارِيخنا”، وهذا يُوحي بأنّ هُناك صواريخ أُخرى في الطّريق.
هناك روايتان حول ما إذا كان الصّاروخ قد أصاب هَدفه أم لا، والأهداف الحقيقيّة لإطلاقه وغَيره:
-
الأولى: رَسميّةٌ سُعوديّة تقول أنّ الدّفاعات الأرضيّة اعترضت هذا الصّاروخ ودَمّرته في الجَو، وعَرضت أشرطة فيديو قالت أنها دَليلٌ على روايَتِها هذه.
-
الثانية: الرواية المُضادّة التي جاءت في مجلّة “ناشونال انترست” المُتخصّصة في الشّؤون العَسكريّة، فتُؤكّد أن مَنظومة صَواريخ “الباتريوت” الأمريكيّة فَشِلت في إسقاط الصاروخ الحوثي الأخير، مِثلما فَشِلت في اعتراضِ صاروخٍ مُماثلٍ أطلَقُه الحوثيون في تشرين الثّاني (نوفمبر) الماضي، استهدفَ مطار الرّياض الدوليّ، وأكّد الخبير الروسي باباك تاغفالي فَشَل صواريخ “باتريوت” فِعلاً، ولكنّه قال أنّ الصّاروخ الحوثي لم يُصب هَدفه بدِقّةٍ أيضًا بسبب وجود خللٍ، وأن الحُطام الذي يَتم العُثور عليه ليس بسبب تَفجيرها في الجَو، وإنّما لسُقوطِها الحُر.
الحديث في الأوساط الغَربيّة عن فشل صواريخ الباتريوت في التصدّي للصّواريخ الحوثيّة باتَ العَمود الفِقري للعَديد من الدراسات في المجلات والمَواقع العَسكريّة المُتخصّصة، وربّما يَقف هذا الفَشل خَلف المُفاوضات التي تُجريها الحُكومة السعوديّة مع روسيا لشِراء مَنظومة صواريخ “إس 400″، التي تُوصف بأنّها أكثر كفاءةً من نَظيرتها “باتريوت”.
في المَرّةِ الأولى أطلقت الدّفاعات السعوديّة سَبعةَ صواريخٍ “باتريوت” لإسقاط الصّاروخ الحوثي في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، ويوم أمس الثلاثاء أطلقت خمسة صواريخ من النّوع نفسه، فَشِلت أيضًا في إسقاط الصّاروخ “بركان 2 إتش” الباليستيّ الحوثيّ، الأمر الذي يُشكّل حالةً من القَلق للحُكومتين الأمريكيّة والسعوديّة مَعًا.
قناة “الإخباريّة” السعوديّة الرسميّة قالت أن الحوثيين أطلقوا 81 صاروخًا باليستيًّا على مُدنٍ سُعوديّةٍ مِثل مكّة المُكرّمة وجدّة وخميش مشيط، وجازان، وأخيرًا الرياض مُنذ عام 2015 أي بِدء “عاصفة الحزم”، وهذا يَعني التصدّي لها بإطلاقِ حواليّ 400 صاروخ من نَوع “باتريوت” على الأقل، حيث تتراوح قيمة كل صاروخ بين أربعة وسبعة ملايين دولار، هذا إذا افترضنا أن الدّفاعات السعوديّة أطلقت خَمسة صَواريخ في المُتوسّط للتصدّي لكُل صاروخٍ حوثيّ.
هُناك نظريّة عسكريّة غَربيّة مُتداولة حاليًّا على نِطاقٍ واسعٍ تقول بأنّ استراتيجيّة حركة “أنصار الله” الحوثيّة من خلال إطلاق هذهِ الصّواريخ تَهدف إلى تَحقيق هَدفين:
-
الأوّل: استنزاف مَخزون السعوديّة من صواريخ “باتريوت” وفي أسرعِ وَقتٍ مُمكن، لأن تجهيز أي صفقة صواريخ جديدة لتَعويض النّقص يَحتاج إلى وَقتٍ طَويل.
-
الثّاني: نَقل الحَرب إلى العُمق السعوديّ، وإثارةِ الهَلع في أوساط المُواطنين السّعوديين الذين عاشوا بأمانٍ طِوال السّنوات الثمانين الماضية من عُمر المملكة، ولم تَصلهم أي صواريخ أو قَصف جوّي، باستثناء إطلاق الجيش العِراقي صاروخًا من نَوع “سكود” أصابَ وزارة الداخليّة عام 1991.
المُواطنون السّعوديون سَمِعوا صَوت انفجاراتِ الصّواريخ التي استهدفت الرّياض مَرّتين، حتى أن شظاياها سَقطت في فَناء بيت الفنان السعودي الشهير عبد الله السدحان، الأمر الذي يَعني أن شظايا، أو حتى صواريخ أُخرى، يُمكن أن تَنفجر في مُجمّعات سكنيّة مُستقبلاً، وِفق آراء مُحلّلين عَسكريين.
فَشل صواريخ “باتريوت”، فَخر الصّناعة الأمريكيّة، في اعتراض صواريخ الحوثيين الباليستيّة التي تُوصف بـ”البدائيّة”، يَعني أنّها ستُواجِه فَشلاً أكبر في مُواجهة صَواريخ كوريا الشماليّة التي تُعتبر الأكثر تَطوّرًا، والأكثر دِقّةً في إصابة أهدافِها.
ومن المُفارقة أن بيانات التّضامن التي صَدرت عن عِدّة حُكوماتٍ عَربيّة، أدانت إطلاق هذهِ الصّواريخ أعطت نتائج عكسيّة في أوساط الرأي العام العَربيّ، حيث امتلأت وسائط التواصل الاجتماعي بهُجومٍ كاسِحٍ على هذهِ البيانات، تُركّز على التّذكير بأنّ آلاف اليَمنيين سَقطوا ضحايا من جَرّاء صواريخ طائرات “عاصفة الحزم”، عَلاوةً على إصابة عَشرات الآلاف الآخرين، فلماذا لا تَصدُر بيانات تَضامن مع هؤلاء، هل لأنّهم فُقراء مُعدَمون؟ حسب ما جاء في الآلاف من التّغريدات والتّعليقات.
الطّريقة الأسلم والأسرع لوَقف هذهِ الصّواريخ، ودَرءْ أخطارِها هو في الانخراط في مُفاوضاتٍ مُباشرةٍ مع تيّار “أنصار الله” الحوثي للتوصّل إلى تَسويةٍ مَقبولةٍ لكُل الأطراف تُوقف الحَرب وتُعيد الأمن والاستقرار لليمن، فالسعوديّة وحَليفها الإماراتي تفاوضت سِرًّا مع خَصمها اللّدود علي عبد الله صالح بعد ثلاثة أعوام من الرّفض، وعَقدت معه صَفقةً سياسيّةً قبل اغتيالِه بأيّامٍ مَعدودةٍ، وكذلك مع حزب الإصلاح الإخوانيّ أيضًا، وبَعد تَلكّؤ مُماثل، فلماذا إطالة أمد الانتظار، وتَحمّل الكثير من الخَسائِر، ليَتم التّفاوض في نِهاية المَطاف مع الحوثيين؟، ولا بُد من “التّفاوض” وإن طالَ الزّمن.
افتتاحية رأي اليوم